سورة القصص - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (القصص)


        


{قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ} اتخذه أجيرًا ليرعى أغنامنا، {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأمِينُ} يعني: خير من استعملت من قوي على العمل وأدى الأمانة، فقال لها أبوها: وما علمك بقوته وأمانته؟ قالت: أما قوته: فإنه رفع حجرا من رأس البئر لا يرفعه إلا عشرة. وقيل: إلا أربعون رجلا وأما أمانته: فإنه قال لي امشي خلفي حتى لا تصف الريح بدنك.
{قَالَ} شعيب عند ذلك: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ} واسمها صفورة وليا في قول شعيب الجبائي، وقال ابن إسحاق: صفورة وشرقا وقال غيرهما: الكبرى صفراء والصغرى صفيراء. وقيل زوَّجه الكبرى. وذهب أكثرهم إلى أنه زوجه الصغرى منهما واسمها صفورة، وهي التي ذهبت لطلب موسى، {عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} يعني: أن تكون أجيرًا لي ثمان سنين، قال الفراء: يعني: تجعل ثوابي من تزويجها أن ترعى غنمي ثماني حجج، تقول العرب: آجرك الله بأجرك أي: أثابك، والحجج: السنون، واحدتها حجة، {فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ} أي: إن أتممت عشر سنين فذلك تفضل منك وتبرع، ليس بواجب عليك، {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ} أي: ألزمك تمام العشر إلا أن تتبرعُ {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ} قال عمر: يعني: في حسن الصحبة والوفاء بما قلت.


{قَالَ} موسى، {ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ} يعني: هذا الشرط بيني وبينك، فما شرطت عليَّ فلك وما شرطتَ من تزويج إحداهما فلي، والأمر بيننا، تم الكلام، ثم قال: {أَيَّمَا الأجَلَيْنِ قَضَيْتُ} يعني: أي الأجلين: وما صلة، {قضيت}: أتممت وفرغت منه، الثمان أو العشر، {فَلا عُدْوَانَ عَلَيَّ} لا ظلم عليَّ بأن أطالب بأكثر منهما، {وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ} قال ابن عباس ومقاتل: شهيد فيما بيني وبينك. وقيل: حفيظ. أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، أخبرنا محمد بن إسماعيل، أخبرنا محمد بن عبد الرحيم، أخبرنا سعيد بن سليمان، أخبرنا مروان بن شجاع، عن سالم الأفطس، عن سعيد بن جبير، قال: سألني يهودي من أهل الحيرة: أي الأجلين قضى موسى؟ قلت: لا أدري حتى أقدم على خير العرب فأسأله، فقدمت فسألت ابن عباس قال: قضى أكثرهما وأطيبهما، إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال فعل وروي عن أبي ذرِّ مرفوعًا: إذا سئلت أي الأجلين قضى موسى؟ فقل: خيرهما وأبرهما، وإذا سئلت: فأي المرأتين تزوج؟ فقل: الصغرى منهما، وهي التي جاءت، فقالت يا أبتِ استأجره، فتزوج أصغرهما وقضى أوفاهما.
وقال وهب: أنكحه الكبرى. وروي عن شداد بن أوس مرفوعًا: بكى شعيب النبي صلى الله عليه وسلم من حب الله عز وجل حتى عمي فردّ الله عليه بصره، ثم بكى حتى عمي فردّ الله عليه بصره، ثم بكى حتى عمي فردّ الله عليه بصره، فقال الله: ما هذا البكاء؟ أشوقًا إلى الجنة أم خوفا من النار؟ قال: لا يا رب، ولكن شوقًا إلى لقائك، فأوحى الله إليه ن يكن ذلك فهنيئًا لك لقائي يا شعيب، لذلك أخدمتك موسى كليمي.
ولما تعاقدا هذا العقد بينهما أمر شعيب ابنته أن تعطي موسى عصا يدفع بها السباع عن غنمه، واختلفوا في تلك العصا؛ قال عكرمة: خرج بها آدم من الجنة فأخذها جبريل بعد موت آدم فكانت معه حتى لقي بها موسى ليلا فدفعها إليه. وقال آخرون: كانت من آس الجنة، حملها آدم من الجنة فتوارثها الأنبياء، وكان لا يأخذها غير نبي إلا أكلته، فصارت من آدم إلى نوح، ثم إلى إبراهيم حتى وصلت إلى شعيب، فكانت عصا الأنبياء عنده فأعطاها موسى. وقال السدي: كانت تلك العصا استودعها إياه مَلَك في صورة رجل، فأمر ابنته أن تأتيه بعصا فدخلت فأخذت العصا فأتته بها، فلما رآها شعيب قال لها: ردي هذه العصا، وأتيه بغيرها، فألقتها وأرادت أن تأخذ غيرها فلا يقع في يدها إلا هي، حتى فعلت ذلك ثلاث مرات فأعطاها موسى فأخرجها موسى معه، ثم إن الشيخ ندم وقال: كانت وديعة، فذهب في أثره، وطلب أن يرد العصا فأبى موسى أن يعطيه. وقال: هي عصاي، فرضيا أن يجعلا بينهما أول رجل يلقاهما، فلقيهما ملك في صورة رجل فحكم أن يطرح العصا فمن حملها فهي له، فطرح موسى العصا فعالجها الشيخ ليأخذها فلم يطقها، فأخذها موسى بيده فرفعها فتركها له الشيخ.
ثم إن موسى لما أتم الأجل وسلم شعيب، ابنته إليه، قال موسى للمرأة: اطلبي من أبيك أن يجعل لنا بعض الغنم، فطلبت من أبيها، فقال شعيب: لكما كل ما ولدت هذا العام على غير شيتها. وقيل: أراد شعيب أن يجازي موسى على حسن رعيته إكرامًا له وصلةً لابنته، فقال له إني قد وهبت لك من الجدايا التي تضعها أغنامي هذه السنة كل أبلق وبلقاء، فأوحى الله إلى موسى في المنام أن اضرب بعصاك الماء الذي في مستقى الأغنام قال: فضرب موسى بعصاه الماء ثم سقى الأغنام منه فما أخطأت واحدة منها إلا وضعت حملها ما بين أبلق وبلقاء فعلم شعيب أن ذلك رزق ساقه الله عز وجل إلى موسى وامرأته فوفى له شرطه وسلم الأغنام إليه.


قوله عز وجل: {فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأجَلَ} يعني أتمه وفرغ منه، {وَسَارَ بِأَهْلِهِ} قال مجاهد: لما قضى موسى الأجل مكث بعد ذلك عند صهره عشرًا آخر فأقام عنده عشرين سنة، ثم استأذنه في العود إلى مصر، فأذن له، فخرج بأهله إلى جانب مصر، {آنَسَ} يعني: أبصر، {مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا} وكان في البرية في ليلة مظلمة، شديدة البرد وأخذ امرأته الطلقُ، {قَالَ لأهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ} عن الطريق، لأنه كان قد أخطأ الطريق، {أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ} يعني: قطعة وشعلة من النار. وفيها ثلاث لغات، قرأ عاصم: {جَذْوة} بفتح الجيم، وقرأ حمزة بضمها، وقرأ الآخرون بكسرها، قال قتادة ومقاتل: هي العود الذي قد احترق بعضه، وجمعها جِذَىً {لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ} تستدفئون.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8